أثر الفراشة لا يزول، وأثر الرصاصة كذلك.. والفراشة طفل لم يتخط الـ13 عاما، يحلم بغدٍ لم تكتمل ملامحه بعد، غير أن العتمة حلت حين استقرت في رأسه رصاصة طائشة، أفقدته الوعي 12 يومًا قبل أن يرحل.. أُخرجت الرصاصة من رأسه عقب وفاته، لكن أثرها لا يزال باقيا، تشهد عليه أركان المنزل وجوانبه وحوائطه، كما لو كان معرضًا لسيرته.بدأت والدته جولات استمرت عامين، حاربت فيهما لوحدها أحيانا، ودعمها المحيطون في أوقات أخرى، تفرح لانتصار تحقق بعضه، وتحزن لغياب حق ابنها طويلا، واليوم، الـ18 مايو، هو الذكرى الثانية لإصابة الطفل “يوسف العربي” بطلق ناري بميدان الحصري بمدنية 6 أكتوبر، تسبب لاحقا في وفاته، مما قلب الأمور في منزل الصغير وأمه رأسا على عقب تحول منزل “يوسف” إلى ما يشبه المعرض؛ لوحات وجرافيتي وملصقات، ومتعلقاته، وهدايا من محبيه، بعضهم كان يعرفهم، وآخرون عرفوه بعد وفاته، على إثر رصاصة أطلقها أحدهم في أحد الأفراح، في مدينة السادس من أكتوبر قبل عامين.
ل

كل مساحة في المنزل “حدوتة” تتعلق بقضية يوسف، وحكايته التي يرى محبوه أنها “سيرة أطول من عمره”. تستقر صور التقطها بنفسه لأفراد أسرته، ترى والدته أن عينيه لم تكن خلف الكاميرا فحسب، بل أن روحه أيضا لا تزال عالقة خلف تلك الصور، وكأنها تؤكد أن “الصورة أطول من العمر”.الاثنين الماضي، 13 مايو الجاري، أنهت مروة قناوي – والدة يوسف – إضرابها عن الطعام الذي استمر 45 يوما، بعدما قضت محكمة الجنايات بالقاهرة، المنعقدة بالتجمع الخامس، تأييد الحكم الصادر بمعاقبة متهمين هاربين بالسجن 7 سنوات في إعادة محاكتهما، وبعد ذلك بيومين سلم الهاربان نفسيهما للأمن – أحدهما ضابط شرطة مفصول والآخر نجل عضو بمجلس النواب- في خطوة انتظرتها مروة على مدار عامين.وكانت المحكمة قضت في يوليو 2018 بمعاقبة 4 متهمين بالسجن 5 سنوات لحيازة سلاح ناري دون ترخيص، و3 منهم بالسجن عامين للقتل الخطأ. لكن ذلك لم يكن نهاية المطاف لمروة، فهناك أكثر من “يوسف” يسقط برصاص الاحتفال الذي يقلب الأمور، وهو ما تحاول جاهدة تغييره بما استطاعت لذلك سبيلا، ولا تزال هناك إجراءات أخرى متعلقة بالمحاكمة: “هيتعاد محاكمتهم من أول وجديد، وفي جولات تانية، هناخد نفسنا بس للانتصار ده، وهيبقى لكل فعل رد فعل”.البداية كانت في 18 مايو 2017 حين كانت مروة مع طفلها على باب المنزل، تستعد للتوجه إلى وسط البلد، غير أن اتصالا من رفاقه بمدينة 6 أكتوبر، حيث كان يسكن قديما، قبل الانتقال لمنطقة المنيل، غيرت خطة اليوم: “قالوله تعالى اقعد معانا، فاستأذني وقاللي هروح ولما أخلص هرجعلك، فقلتله تمام”.وصل الصغير إلى رفاقه، أمضى بعض الوقت معهم، وحين كانوا بميدان الحصري، سقط على الأرض، دون أن يعرف أحد ما الذي حدث على وجه التحديد. نقله البعض إلى مستشفى 6 أكتوبر الجامعي، وفي ذلك التوقيت كان أصدقاؤه يتصلون بالأم: “أول ما وصلت المستشفى حسيت إنه خلاص رايح، بعد كده اتعمل ليه أشعة مقطعية، وعرفنا إن في رصاصة استقرت في جذع المخ”.
احتفظت مروة بقطعة قماش كانت أسفل رأس يوسف داخل المستشفى، تظهر عليها قطرات دم: “كان في إيده حظاظات بس أصحابه طلبوها مني فادتها ليهم”.ادعوا ليوسف” كانت تلك عبارة الأم على صفحتها في مواقع التواصل، ومع انتشار القصة صار الزحام قرب غرفة يوسف في المستشفى كبيرًا، من أشخاص تعرفهم وآخرون لا تعرفهم: “طلاب جامعيون، وناس متعاطفة، وأقارب، وناس كانت متخاصمة مع بعض جت”.
تحب مروة ذلك المكان، تعتقد أنها رأت فيه محبة الله: “وكان الـ12 يوم دول قبل وفاته، فرصة إننا نستوعب اللي هيحصل ونشبع منه”.